بدأ مؤتمر الحوار الثقافي والديني الذي استضافه المعهد الدنماركي للدراسات الدولية في العاصمة كوبنهاجن بداية غير متوقعة.
اسم المؤتمر جهز الحاضرين نفسيا لسماع كلام مختلف عما استمعوا إليه في السابق، منذ بدأت أزمة رسوم الكاريكاتير التي صورت النبي محمدا وأثارت ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي.
لكن الدكتور طارق السويدان، ذكر من نسي من الحضور بمدى سخونة الأزمة، حين طالب مرة أخرى بالاعتذار، ليس عن الرسوم، وإنما عن إهانة المسلمين متمثلة في إهانة شخص النبي محمد، حسب تعبيره.
مرة بعد أخرى طوال الجلسة الصباحية، انفعل السويدان مذكرا الدنماركيين أن رئيس وزرائهم 'رفض مقابلة أحد عشر سفيرا عربيا'.
هذه هي الصورة التي تناقلتها شاشات التليفزيون، وهذا هو الصوت الذي نقلته الإذاعات سريعا. سريعا لدرجة أن الدكتور سويدان نفسه استقل سيارة أجرة فقال له السائق إنه استمع إلى هذا في الإذاعة. هذا ما قاله في الجلسة الثانية من المؤتمر، بعد استراحة لصلاة الظهر وتناول طعام الغداء.
عمرو خالد، الداعية الإسلامي المصري، خرج عن هدوئه المعتاد وقال في المؤتمر الصباحي إنه جاء مع إخوانه بيد ممدودة "لكنه لم يجد يدا ممدودة في المقابل".
هذا المؤتمر الصحفي الساخن كان في الصباح، قبل أن تبدأ فعاليات المؤتمر. فكأنك أمام فيلم هوليودي مشهده الافتتاحي انفجار في سيارة أو ما شابه.
ثم هدأ الإيقاع، مع بدء المداخلات. لكن كلمات المقاطعة والاعتذار بقيت تتكرر من حين إلى آخر حتى نقطة التحول، استراحة الغداء.
مع بدء الجلسة الثانية قامت فتاة دنماركية اسمها كريستين، وهي واحدة من خمسين شابا وفتاة من الدنمارك والعالم الإسلامي يعقدون ورشة عمل على هامش المؤتمر، وتحدثت عن خيبة أملها.
في كلمة وصفتها بأنها عفوية، أظهرت مهارة دبلوماسية غير عادية.
تحدثت عن أحلامها كناشطة في مجال حقوق الإنسان، وعن رغبتها دائما في رؤية عالم يتعايش في سلام، وعن الآمال التي بنتها على مشاركتها في مؤتمر الحوار هذا لتساهم في التقارب بين الناس.
تحدثت عن ذلك كله بلهجة مؤثرة - عفوية كما وصفتها.
ثم عن خيبة أملها، وهي ترى التقارب والألفة التي أحستهما في اليوم الذي قضته مع الشباب والفتيات في العالم الإسلامي يوشك أن ينهار مع هذا الكلام الحاد.
وتحولت الصورة الى مشهد شكسبيري.
د. طارق السويدان بجلبابه وغطرته الكويتية ولحيته وشاربه، الصورة التقليدية لفارس عربي من البادية، كما وصفته شارلوت الصحفية الدنماركية التي تعد لفيلم تسجيلي، هدأ.
طارق السويدان ذكر الدنماركيين أن رئيس وزرائهم 'رفض مقابلة أحد عشر سفيرا عربيا'.
عمرو خالد، الذي لفت نظر الحضور من الدنماركيين بقدرته على الانتقال في ثانية من لغة شاعرية يستخدم فيها الألوان كناية عن الأحاسيس إلى لغة عملية تشبه محاضرا يشرح لتلاميذ درسا في الفيزياء، ترقرقت الدموع في عينيه.
كانت تلك هي الجلسة الثانية، التي توازي في توقيتها فترة القيلولة للقادمين من البلاد الحارة.
بدأ د. طارق السويدان يمزح، ثم يعتذر إن كان احتد في الكلام بلا داع، ثم يعود فيحتد، لكن لفترة بسيطة، ثم يعتذر مرة أخرى.
نسي الحاضرون لفترة النقاشات عن حرية التعبير وضوابطها، عن مفهوم القداسة لدى المجتمعات الإسلامية في موازاة المجتمعات العلمانية، عن المسؤولية الفردية والمسؤولية الجماعية في المجتمعات الديمقراطية.
لم ينس عمرو خالد أن ينوه الحضور قبل انتهاء هذه الجلسة إلى مدى أهمية الجلسة الثالثة التي سيعلن فيها ما توصل إليه المؤتمر. لم يكن الاسترخاء الذي أصاب الحضور يدل على أنهم عازمون على حضور جلسة أخرى.
في نهاية الجلسة الثالثة أعلن عمرو خالد عن مجموعة من المطالب العامة كإنشاء مركز للحوار، والتعريف بالإسلام في مناهج التعليم.
بعد المؤتمر أسر لي أحد المشاركين باستيائه من الطريق التي أعلنت بها هذه المطالب، لأنها لم تبحث معهم من الأساس.
ثم إن مطلبا كالتعريف بالإسلام في مناهج التعليم هو مطلب في الحقيقة بلا معنى، كما قال لي، لأن مناهج التعليم في الدنمارك لا تدار بشكل مركزي.
في ختام المؤتمر قالت فتاة مصرية شاركت فيه على منصة الحضور إنه أفضل تجربة خاضتها، وإنها لن تنساه ولو بعد عشرين سنة. فقد جاءت إلى هنا خائفة من استقبال الناس لها بالحجاب ثم وجدت أن خوفها بلا مبرر.